مستقبل الاستثمار في المشاريع الناشئة


أنهينا قبل أسابيع سلسلتي تقييم المشاريع الناشئة وأساليب التقييم. وأعتقد أنه من المناسب كتابة مقال مرجعي لتلخيص ما تم نقاشه ومحاولة تطعيمه بما هو موجود في السوق اليوم، واستقراء المستقبل.  رأيي بلا شك سيكون قاصراً ولذلك التعليقات والملاحظات ستضيف الكثير وجميعها مرحب به، الإيجابي والسلبي. وهنا أود أن اؤكد على أن رحلتنا مع ريادة الأعمال لا تزال في بدايتها، ولضمان وصولنا للمحطة النهائية نحتاج لفتح قنوات التواصل فيما بيننا على جميع الأصعدة.

بدأنا السلسلة الأولى بمقال كان عنوانه “مدخل“. وفيه كان الحديث عن الفرق بين التسعير والتقييم، وكيف أن عملية تقييم المشاريع الناشئة صعب إن لم يكن مستحيل بالأساليب التقليدية. بمعنى أنك لا تستطيع الحصول على تقييم معتمد الجهات الرسمية لتقييم شركتك الناشئة، خصوصاً لو كانت شركة تعتمد على التقنية. ثم اقترحت نموذج لتوزيع الحصص بين المؤسسين في مقال “القيمة التأسيسية“، وهذا موضوع حساس جداً ومهم، وكانت تردني حوله الكثير من الأسئلة. عادة ما يتجاهل المؤسسين مناقشه وتوثيق كيفية المحاصصة وإدارة الحصص فيما بينهم في الأيام الأولى لإنشغالهم بالمشروع. وهذا الأمر سبب رئيسي للخلافات المستقبلية وربما انسحاب بعض الشركاء لإختلاف التوقعات فيما بينهم. زرنا بعدها السؤال الذهبي، كيف تعرف أن شركتك جاهزة للإستثمار ومع من تتحدث؟ في مقال “جاهزية الشركة للإستثمار“. وأهم ما تم الحديث عنه هو أنواع الشركات (تقليديه وابتكاريه)، انواع المستثمرين، وتعريف بالجولات الإستثمارية. قبل الدخول في موضوع تقييم الشركات، تحدثنا في مقالين عن موضوعين: الأول “كيفية إدارة الحصص في الشركة“، والثاني “فهم المستثمر“. في إدارة الحصص كان الحديث مكملاً لنقاش القيمة التأسيسية، أي أن المقال كان يشرح كيف تتعامل مع حصص المؤسسين وكيف تدخل المستثمرين معك. أما مقال فهم المستثمر، فكان أقرب للتمهيد لما سيكون في السلسلة التالية. المستثمر يدخل للشركة طامعاً في العوائد، ولكونه سيصبح رفيقاً لك خلال رحلة بناء الشركة، يهمك أن تفهم كيف يفكر وماذا يتوقع من شركتك.

ثم انتقالنا بعدها للسلسلة الثانية والتي عنونتها بأساليب التقييم. بدأتها بمقال “القواعد العامة للتقييم“، والذي ركزنا فيه على معادلات التقييم الرئيسية، وأكثر الأخطاء شيوعاً في عملية إدارة الجولات الإستثمارية. ثم بدأنا بعدها بأول أساليب التقييم “أسلوب المفاوضة“، وهو الأسلوب الأمثل للشركات في أيامها الأولى. ولاحظ الاسم “مفاوضة”، أنه في الواقع نقاش وحوار أكثر من كونه مرتبط بأرقام أو توقعات مستقبلية. أنصحك بقراءة هذا المقال حتى وإن كنت في مراحل متقدمة في مشروعك. المفاوضة عملية تبقى معك وستجد أنك تستخدمها دائماً في نقاشك مع المستثمرين. إنتقلنا بعدها للمقال التالي وكان يناقش “الأساليب الغير تقليدية في التقييم“، هذه الأساليب تقع في المنتصف بين عدم وضوح المشروع ووضوحه. وتستخدم في الغالب بعد تجهيز المنتج الأولي ولحين الإنتهاء من تجهيز واختبار المنتج النهائي. الأساليب التي ذكرت في هذا المقال هي: 1) الطريقة السريعة لرأس المال الجرئ؛ 2) أسلوب بيركس؛ 3) الشركات الشبيهة. ولو قارنا هذه الأساليب بأسلوب المفاوضة، ستجد أن المفاوضة تبدأ من لا شيء إلى أن تصل لشيء، أما هذه الأساليب فأنت تبدأ من نقطة ثم يتم التفاوض لزيادة القيمة أو خفضها. ختمنا السلسلة الثانية بمقال “التقييم العكسي“. التقييم العكسي يقوم على مبدأ أن الشركة وصلت لمرحلة من النضوج الذي يجعلنا نستطيع تقدير قيمتها في لحظة مستقبلية، ولكن لا يزال هناك وقت من عدم الوضوح بين تلك اللحظة الزمنية واليوم. فمثلاً يمكنك استخدام أحد أساليب التقييم التقليدية لتقدير قيمة الشركة بعد سنتين من اليوم، ولكن المستثمر سيدخل معك اليوم فتستخدم اسلوب التقييم العكسي لتقدير قيمتها الحالية. ونشرت حاسبة لمساعدتك في حساب التقييم بهذا الأسلوب “حاسبة التقييم“.

المستثمرون لا يستثمرون

نشرت عدد من الاستبيانات على حسابي في توتير، لمحاولة اخذ استطلاع للآراء. كان السؤال الأول حول ما هي أكبر مشكلة في منظومة الاستثمار في المشاريع المبتكرة والتقليدية، وكان الجواب: 34% المستثمرين، 28% جهات الدعم، والمؤسسين والأفكار ب 19% لكل منهم. على الرغم من عدم إيماني بأن تويتر ليس مرصد دقيق للإستبيانات، لكني اتفق بشكل كبير مع النتيجة. هناك مشكلة جوهرية في منطقة المستثمرين وجهات الدعم، وبصراحة توقعت بأن النسبة المجمعة ستكون أعلى من 62%. الأهم من النسبة هل يتوجب إلقاء اللوم على المستثمرين الموجودين في المنطقة اليوم؟ لا، طبعاً. لأنه لولاهم لما كنّا نتحدث عن الاستثمار وننتقد التقصير. هناك ثغرات كبيرة جداً في منظومة الإستثمار، والموجودين اليوم (ولو ان شهادتي مجروحة)، لا يكتفون بتغطية مناطقهم بل يعملون على سد ثغرات يفترض وجود آخرين يعملون فيها.

ولنفهم الموضوع بشكل أفضل، ويكون هناك تفهم أكثر للمشكلة، دعنا نعود لأصل استثمار الملكية الخاصة ورأس المال الجرئ. الملكية الخاصة هي الإستثمارات المالية في الشركات الغير مدرجة في سوق المال. بدايات الملكية الخاصة كانت في اواخر سنوات الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة، والهدف منها توفير أداة للربط بين أصحاب الأموال والجنود العائدين من الحرب والراغبين في بدء حياتهم من جديد. فتأسيس المشاريع عملية تحمل بعض المخاطر، وبعض الناس لا يمكنه الحصول على قرض أو لا يمتلك المال اللازم لبناء شركة. بطبيعة الحال آليه الإستثمار تلك كانت متوافقه مع احتياجات السوق في تلك الحقبة الزمنيه. ومع تطور المنطقة عملياً وصناعياً، في سبعينات القرن الماضي، بدأت الثورة التقنية والتي كان الاستثمار فيها يحتوي على مخاطرة أعلى من تلك التي تقبل بها صناديق الملكية الخاصة. فالأفكار والإختراعات والأبحاث عمليات تصنف محاسبياً كمصاريف وليست كأصول. بالتالي كانت عملية تقييمها صعب وكذلك إدارتها. وهنا جاء رأس المال الجرئ كنوع خاص من الملكية الخاصة ليسد تلك الثغرة.

الشركات الإستثمارية عموماً (الملكية الخاصة، ورأس المال الجرئ)، تعمل على أساس وحدتين تجاريتين: وحدة شركاء العموم (General Partners)، ووحدة الشركاء المحدودين (Limited Partners). المال المستثمر يوضع في وحدة الشركاء المحدودين ويسمى الصندوق الإستثماري، ومدراء الصندوق يكونون موجودين في وحدة شركاء العموم. وحدة شركاء العموم هي المسؤولة عن إدارة الصندوق وتنفيذ عمليات الإستثمار مقابل عمولة تشغيلية. أداء الصندوق يقاس بالعائد على الاستثمار، والذي يمكن حسابه بعد تنفيذ كل الإستثمارات والتخارج منها وإقفال الصندوق. أي أن الشركة الاستثمارية تبدأ بتوزيع إستثمارات الصندوق على الشركات المستهدفة حسب تقييم تلك الشركات لحظة الاستثمار. ثم يتم العمل على رفع قيمة الشركة من خلال رفع الكفاءة، التوسع، وغيرها. لحين وصول الشركة لمرحلة النضوج المخطط لها، لتقوم الشركة الاستثمارية ببيع حصتها حسب التقييم الجديد، والذي يفترض أن يكون أعلى. وعادة ما يتراوح عمر الصندوق بين 5 إلى 10 سنوات من تأسيسه إلى إقفاله.

لماذا رفضت الملكية الخاصة مشاريع الأفكار والإختراعات، وقبل بها رأس المال الجرئ؟ الجواب يمكن في نموذج عمل كل منهم. صناديق الملكية الخاصة، في الغالب تكون متخصصة في نوع من الشركات، ولديها كفاءات قادرة على مباشرة العمل على الشركات المستهدفة لضمان تحقق الأهداف. ولكونها تباشر المشاريع فإنها في الغالب لا تفضل الدخول في عدد كبير من الشركات. على عكس شركات الاستثمار الجريء، والتي تفضل المراقبة من بعيد والتدخل حسب الحاجة، وبالتالي تستطيع الأخيرة استهداف عدد أكبر من المشاريع في ذات الوقت. صناديق الملكية الخاصة يهمها نجاح كافة المشاريع التي تستثمر فيها، ففشل أي مشروع سيؤثر على أداء الصندوق. بينما نموذج رأس المال الجرئ يراهن على تحقيق عدد قليل من شركاته نجاح مميز جداً، مثلاً عوائد 20 ضعف الاستثمار، وبالتالي تغطي الشركات المميزة على اخفاق بقية الشركات.

تحديات رأس المال الجرئ

ولأن نموذج رأس المال الجرئ يتطلب تحقيق بعض شركاته لنجاح مميز جداً، تحتاج هذه المشاريع لإستثمارات كثيرة وخطرة. طبعاً على افتراض أن تلك الخطورة محسوبة والعوائد المتوقعة تتماشى معها. وهنا يأتي التحدي لرأس المال الجرئ. كيف تصل للمشروع ذو فرص النجاح العالية، وكيف تضمن بأن معادلة المخاطرة متحققة وتم عكسها في التقييم لضمان الحصول على العوائد التي تتوافق مع حجم الخطر. مع زيادة الإهتمام بمجال الأبحاث والإبتكار، وتوفر الأموال للإنفاق في هذه المجال. زادت جاذبية بناء الشركات، وأصبحت عملية توليد الأفكار لا تتطلب أكثر من بحث في محرك قوقل. فأصبح اختيار الرهان الرابح صعباً، ولا يستطيع الاستثمار الجرئ تغطيته. فبرزت الحاجة لإضافة اشتقاق جديد (إن صح التعبير)، ليكون هناك اختبار وفلترة إضافية للمؤسس قبل وصول مشروعه لطاولة رؤوس المال الجرئ. هذه الفلاتر هي ما يعرف اليوم بمستثمري الأفكار والمراحل المبكرة. كالمستثمرين الملائكيين، صناديق الدعم البحثي للجامعات، والهبات والدعم الحكومي. بمعنى آخر، السوق طور آليات لتصفية الأفكار ودعمها ليكون انتقالها سلساً من الفكرة إلى النضج. ما سبق من تطور تم في الولايات المتحدة عبر عشرات السنين، ورافقه وجود نظام مالي متكامل ويعد الأقوى عالمياً. والأهم من ذلك كله، أن الكثير من مستثمري رأس المال الجرئ اليوم، عاشوا جزء من حياتهم في دوامة هذا النظام. وعادوا بعدما نجحوا أو فشلوا ليطورا المنظومة ويوجدوا آليات وطرق جديدة للتمويل وبناء الشركات.

نعود لمنطقتنا العربية، نحن لا نزال في بداية المشوار. قد يحسب لنا وجود منظومة قائمة من رؤوس أموال الملكية الخاصة، ومنظومة في طور التشكل لرأس المال الجرئ. مشكلة الأخيرة أن دورها هو الأصعب، فهي تؤسس المنظومة وتجهز الشركات على أمل أن تقتنع الملكية الخاصة بها مستقبلاً لحصول التخارج. وأضف لذلك أن عملية إقناع اصحاب المشاريع بالمخاطر الموجودة في السوق ليست عملية سهلة، بل أن الكثير من المشاريع لو تم تقييمها وفق مخاطر السوق لكانت قيمها أقل بكثير مما هو حاصل في السوق. لو أنك صاحب مشروع، فكر في المخاطر المتعلقة بالوصول للكفاءات اللازمة لإنجاح المشروع، والمخاطر المرتبطة بالتخارج (فعلياً لا توجد لدينا قصص تخارج مشجعة)، مخاطر حجم السوق وصعوبة فتح الأسواق الجديدة، وأخيراً المخاطر المتعلقة بالجولات الإستثمارية المستقبلية فكما ذكرت مسبقاً هناك فراغات في السوق لم تملء بالشكل الكافي. ما الذي يعنيه ذلك للمستثمرين؟ فعلياً هم ليسوا شركاء عاديين بل هم شركاء يتحملون معك الخطورة العالية ويأخذونها بمقابل أقل مما هو متاح لهم لو قرروا  الاستثمار في اسواق أخرى. ولعل هذا يتوافق مع نتيجة السؤال الثالث اذا طرحته في حساب توتير: هل تعتقد أن حجم الاستثمارات والعوائد المتوقعة للاستثمارات الجريئة في سوق المنطقة متناسبة مع حجم المخاطر؟ وكانت الإجابة بفارق كبير أنها متفائلة أي أن المخاطر أعلى (53%).

الشركات بعين المستثمر

المتابع للسوق، لابد وأنه لاحظ النقاش الدائر حول تصنيف الشركات لتقليدية وابتكارية، ريادية وغير ريادية، بل قد ذهب البعض للقول بأن بعضها لا يضيف قيمة للاقتصاد. شخصياً أميل لأن أي مشروع سيطلق وسيكون فيه رفع للكفاءة وتحسين للأداء أو توظيف للكفاءات فهذا مشروع ريادي ويضيف قيمة للسوق. وأعتقد أن الرأي حيال التصنيف يختلف بإختلاف الشخص والمنطق الذي يبني عليه التصنيف، وبالتالي بشكل عام ستكون المنطقة الرمادية التي نختلف عليها هي الأكبر.

ولكون نقاشنا اليوم من زاوية التقييم والإستثمار، لنحاول اتباع التصنيف الاستثماري للمشاريع. للمستثمر يمكن تصنيف المشاريع إلى اربعة أقسام:

  1. شركات رأس مالها التأسيسي عالي، ونموذج عملها ناضج: هذه الشركات تعتمد بشكل جوهري على الأصول الثابتة. لديها نماذج عمل واضح، وعليه يستطيع المستثمر والمؤسس الوصول إلى المعلومات التي يحتاجها في بناء هذه الشركة، والمخاطر المتعلقة بها. في أسوء الأحوال يمكن إعادة المبلغ المستثمر أو جزء منه من خلال بيع الأصول. المستثمرين الجريئين يميلون لتجنب هذا النوع من الاستثمارات ليس لخطورتها، ولكن لكون حجم التذكرة الاستثمارية في المشروع عالية، وقد تأخذ حصة كبيرة من المحفظة الإستثمارية. بالتالي يفقد المستثمر الجرئ قدرته على تنويع الاستثمارات، وحتى وأن حقق هذا النوع من الاستثمارات النجاح فإن العائد لا يصل لطموح رأس المال الجرئ.
  2. مشاريع رأس مالها التأسيسي عالي، ونموذج عملها غير ناضج: هذه المشاريع في العادة تبدأ كفكرة أو على ورقة، وتحتاج لوقت طويل أو استثمارات عالية لحين بلوغ هدفها وتحققها، إن تم ذلك. خطورة هذا النوع من المشاريع هي الأعلى. فهي تتشارك مع النوع الأول في كونها غير مفضلة لمعظم اصحاب الاستثمارات الجريئة. في الغالب يتولى موضوع الإستثمار في هذا النوع من المشاريع الصناديق البحثية للجامعات، أو الحكومات الباحثة كونها تمتلك أهدافاً ليست بالضرورة مالية بحته. قد تدخل الصناديق الجريئة في هذه الاستثمارات، لو كان حجم الصندوق الاستثماري يسمح، فهذه المشاريع في النهاية لديها فرص للنجاح، والعوائد ستكون أيضاً عالية.
  3. مشاريع رأس مالها التأسيسي منخفض، ونموذج عملها ناضج: هذه المشاريع في غالبها تعتمد على مهارات المؤسس الشخصية. وقد تكون تخصصية أو مهن حرة. يمكن ممارستها من المنزل أو في وقت الفراغ. ولكونها لا تتطلب رأسمال تأسيسي عالي وخطورتها منخفضة، يفضل المستثمرين تجنبها. يستطيع صاحب المشروع تمويل المشروع ذاتياً، أو من خلال قرض أو دعم حكومي. وبمرور الوقت ومع الممارسة، قد يكتشف صاحب الفكرة فكرة أو طريقة لتوسيعها على نطاق أكبر مما قد يجعلها تنتقل لتكون مشروع جديد يمكن تصنيف تحت أحد الأصناف الأخرى من المشاريع.
  4. مشاريع رأس مالها التأسيسي منخفض، ونموذج عملها غير ناضج: هذه المشاريع تمثل فكرة أو آلية عمل جديدة لا تتطلب رأس مال عال، بل يمكن تنفيذها واختبارها بشكل رئيسي من خلال مجهودات المؤسيين. لذلك المراهنة فيها تكون على مهارات المؤسسين ومدى قدرتهم على التكيف مع احتياجات السوق. تشكل النموذج الأمثل لرأس المال الجرئ. خطورتها عالية، وبالتالي يفترض عند نجاحها تحقيق عوائد عالية.

يلزم التنويه هنا أنه لا يوجد خطوط فاصلة بين الأنواع الأربعة، وهناك مناطق رمادية بينها.

عندما افكر في عملية بناء السوق، فإنها تظهر لي كبناء كعكة. جسم الكعكة هو المشاريع ذات النموذج الناضج. والمشاريع التي لا تمتلك نموذجاً ناضجاً هي الزينة والكريمة. يمكن بناء جسم الكعكة وبيعه لوحده، ويمكن بيع الزينة لوحدها. ولكن لو فكرنا بالإقتصاد الكلي، فإنه لتحقيق العائد والتنمية الأكبر، تحتاج لتكبير حجم الكعكة ويلزمك لذلك الكثير من القطع والكريمة لالصاق القطع ببعضها وتزينها. السوق الفعّال في الأساس ينطلق من التكامل والتواصل بين اللاعبين فيه. الشركات الناضجة هي القواعد التي يقوم عليها السوق، والشركات الغير ناضجة تأتي لتحسين أداء الأولى ورفع كفاءتها. بناء الشركات الابتكارية بمعزل، دون متابعة أداء الشركات التقليدية وتلمس عيوبها ومشاكل السوق، يجعل الأمر أشبه ببناء غرفة في الهواء، وتوقع أن البناء عندما يكتمل سيدعم الغرفة في مكانها وسيحيطها لتصبح جزء من المنظومة الكبيرة (الاقتصاد).

الثغرة الكبرى

رؤية 2030 تقوم على بناء إقتصاد متكامل. وأعتقد أن الحراك الحاصل في سوق المشاريع الناشئة جيد، والجهود التي تبذل فيه مشكورة. ولإكمال الدورة، أزعم بأن هناك ثغرة رئيسية يتوجب الإلتفات لها وسدها. وهي في الإستثمار وبناء الشركات ذات الرأسمال العالي والنموذج الناضج. أي أن صناديق الملكية الخاصة في المنطقة وصلت لمرحلة من النضوج والتخصص لا تمكنها من العمل على المشاريع الصغيرة. لذلك يلزمنا وجود شركات استثمارية هجينة بين الملكية الخاصة ورأس المال الجرئ. عملها لن يكون أساسياً لتقوية الإقتصاد فقط، بل حتى لضمان تحقيق أصحاب رأس المال الجرئ لأهدافهم. هذه الشركات التي تؤسس ستكون هي الشركات التي تمهد الطريق لتخارج الشركات الإبتكارية أو الاستحواذ عليها. وأيضاً مع الحراك في هذا القطاع سيفتح المجال للمرحلة التالية وهي الاستثمار في المشاريع ذات الرأسمال العالي والنموذج الغير واضح.

0 تعليقات